فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
قد تقدَّم الكلامُ على الحروف المقطعة في أوائل هذا الموضوع، واختلافُ القُرَّاء في إمالة هذه الحروف إذا كان في آخرها ألفٌ وهي: را، وطا، وها، ويا، وحا. فأمال را من جميع سورها إمالةً محضة الكوفيون إلا حفصًا، وأبو عمر وأبن عامر. وأمال الأخَوَان وأبو بكر طا من جميع سُوَرِها نحو: طس، طسم، طه، ويا من يس. وافقهم ابنُ عامر والسوسي على يا من كهيعص، بخلاف عن السوسي. وأمال الأخَوان وأبو عمرو وورش وأبو بكر ها من طه، وكذلك أمالها من كهيعص أبو عمرو والكسائي وأبو بكر دون حمزةَ وورش. وأمال أبو عمرو وورش والأخَوَان وأبو بكر وابن ذكوان حا من جميع سورها السبع. إلا أن أبا عمروٍ ووَرْشًا يُميلان بين بين، وللقراء في هذا عمل كثير بيَّنْتُه في شرح القصيد.
والحكيم: يجوز أن يكونَ بمعنى فاعِل، أي: الحاكم، وأن يكونَ بمعنى مفعول، أي: مُحْكَم، قال الأعشى:
وغريبةٍ تأتي الملوكَ حكيمةً ** قد قلتُها لِيُقالَ مَنْ ذا قالها

اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {الر تلك آيات الكتاب الحكيم} وفى سورة لقمان {الم تلك آيات الكتاب الحكيم} وفى مطلع يوسف: {الر تلك آيات الكتاب المبين} فافتتحت تلك السور الثلاث بعد الحروف المقطعة في مطالعها بالإشارة إلى الكتاب المذكر به والمنبه بآياه فقيل: {تلك آيات الكتاب} ثم وصفه في السورتين بالحكيم وفى سورة يوسف بالمبين فيسأل عن ذلك؟
والجواب والله أعلم ان سورتى يونس ولقمان تردد فيهما من الآيات المعتبر بها المطلعة على عظيم حكمته تعالى واتقانه للأشياء ما لم يرد في سورة يوسف كقوله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} وخلق السماوات والأرض وما انطوت عليه من أعظم المعتبرات قال تعالى: {لخلق السماوت والأرض أكبر من خلق الناس} وقال تعالى: {إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين} وقد تبع الآية المذكورة من سورة يونس ما يجاريها في التنبيه بما به الاعتبار كقوله تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب} إلى قوله: {لقوم يعلمون} ثم قال تعالى: {إن في اختلاف اليل والنهر وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون إن الذين لا يرجون لقاءنا} لم يتخللها ما يخرج عن باب الاعتبار من حكم أو غيره ولا من القصص الا ما تضمن اعتبارا كالوارد من قصة نوح من قومه لقومه: {يا قوم إن كان كبر عليكم مقامى...} الآية إلى قوله: {ثم اقضوا إلى ولا تنظرون}، والمراد من هذا الكلام تعجيزهم وقطعهم عما كانوا يرومون من الكفر به عليه السلام وإرادة إهلاكه وقد قطع عليه السلام بنصرة الله إياه عليهم وقطعهم دون ما يرومونه وإن تألبوا واجتمعوا وذكر عليه السلام شركاءهم وأن يكونوا معهم تهكما بهم وتوبيخا على اعتمادهم على ما لا يعقل ولا يضر ولا ينفع وفى هذا كله أعظم معتبرة ثم ذكر تعالى نجاة نوح عليه السلام منهم في الفلك هو ومن آمن معه وجعلهم خلائف وإغراق أعدائهم من المكذبين ولم يغن عنهم كيدهم.
ولم يرد هذا الضرب المقتضب من قصة نوح عليه السلام على هذه الصفة في غير هذه السورة لما قدمنا ذكره ولم يكن ليناسب ما بنيت عيه السورة غير هذا الوارد.
ومن نحو هذا ما ورد فيها من قصة موسى عليه السلام ودعائه في قوله: {ربنا اطمس على أموالهم} فكان ذلك حسب ما دعاه إلى ذكر إغراق فرعون وملئه وطمعه في الإيمان حين أدركه الغرق فقال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} فلم ينفعه ذلك لفوات وقته فاقتصر أيضا على هذا القدر من قصة موسى عليه السلام لما تقدم من مناسبة هذه السورة.
وأما سورة لقمان فورد فيها قوله تعالى: {خلق السماوات والأرض بغير عمد ترونها} إلى قوله: {هذا خلق الله} وبعد ذلك قوله تعالى: {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات والأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} وقوله: {إن الله عنده علم الساعة...} الآية وفى هذه السورة أيضا ما منح لقمان من الحكمة وما انطوت عليه قصته من حكمة وما صدر عنه في وصيته ولم تخرج آى هذه السورة عن هذا فهذا وجه وصف الكتاب في هاتين السورتين بالحكيم.
وأما سورة يوسف عليه السلام فلم تنطو على غير قصته وبسط التعريف بقضيته وبيان ما جرى له مع أبيه من فراقه وامتحانه بإلقائه في الجب والبيع والتعرض له بالفتنة وتخلصه بسابق اصطفائه مما كيد به وابتلائه بالسجن وجمعه بأخيه واشتمال شملة بأبيه عليهما السلام واخوته ولم تخرج آية من آى هذه السورة عن هذا من بسط هذه القصة فلهذا اتبع الكتاب بالوصف بالمبين.
فقد وضح ورود كل من الموضعين على ما يجب ويناسب والله أعلم.
فإن قيل فما وجه ورود الميم في سورة لقمان مكان الراء في قوله تعالى: {الر} في السورتين فقيل في مطلع لقمان: {الم} مع موافقتها سورة يونس عليه السلام فيما تمهد ثم خالفتها في هذه فقيل: {الم} فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟
والجواب عن ذلك- والله أعلم- ان سورة لقمان تضمنت من التنبيه والتحريك والاعتبار إفصاحا وإيماء للمؤمن والكافر مالم تتضمن سورة يونس على طولها وان كانت آيها كلها آى اعتبار الا انها ليست كالوارد من ذلك في سورة لقمان فمن التنبيه المتضمن تقريع من عبد غيره سبحانه قوله تعالى بعد ذكر خلق السماوات بغير عمد وارساء الأرض بالجبال وذكر ما بث فيها من الدواب وانزال الماء من السماء وذكر ما أنبت سبحانه به من كل زوج بهيج فقال تعالى: {هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه} ولا نجد مثل هذا حيث تراد المبالغة في توبيخ من عبد اله غيره.
ويجارى هذا في هذا القصد الا أنه أرفق في التعنيف قوله تعالى في سورة يونس: {قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده...} الآيات إلا أنها ليست كآية لقمان ولا ختمت بمثل ما ختمت به وقد تكرر هذا في آيات وآية لقمان من أشدها وعيدا ولعظيم ما انطوت عليها اتبعها تعالى بتأنيس نبيه صلى الله عليه وسلم بعد قصة لقمان بقوله: {ومن كفر فلا يحزنك كفره} وبإخباره انهم لو سئلوا من خلق السماوات والأرض لم يجدوا مصرفا غير الاعتراف فقال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} ليعلم عليه السلام أن ذلك من حالهم جار عليهم بقدر الله وما سبق في علمه وهو الحكيم في أفعاله.
ومن التنبيه للمؤمنين ولغيرهم- ممن سبقت له السعادة- قوله مخاطبة لنبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم عمه ظاهرة وباطنة} وقوله تعالى: {ألم تر أن الله يولج الليل في النهار...} الآية وقوله تعالى: {ألم تر أن الفلك تجرى في البحر...} الآية فورد هذا التنبيه بهمزة التقرير ولم الجازمة وهى الأداة المتكررة في آى التنبيه فتكررت في هذه السورة في ثلاث آيات ولم تقع متكررة في شيء مما أتى بعدها من السور إلى آخر القرآن ولا في سورة مما قبلها مما يماثلها في عدد كلمها ولا فيما هو على الضعف منها الا في سورة فاطر وهى أطول من سورة لقمان فتناسب ذلك مع ما في هذه السورة من التنبيه في مطلعها بوقوع الميم مكان الراء الواردة في مطلع سورة يونس.
وأما سورة يونس فمبنية على التعريف بربوبيته تعالى وقصره وقد ابتدأت ثالثة آيها بقوله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} ثم تكرر فيها اسمه الرب سبحانه في بضعة عشر موضعا أولها هذا وآخرها قوله تعالى: {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم} ولم يرد من هذا في سورة لقمان غير قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده...} الآية ثم إنه تكرر في سورة يونس من الكلم الواقع فيها الراء مائتا وعشرون كلمة أو نحوها وأقرب السور إليها مما يليها بعدها من غير المفتتحة بالحروف المقطعة من سورة النحل وهى أطول منها والوارد فيها مما تركب على الراء من كلمها مائتا كلمة مع زيادتها في الطول عليها فلمجموع ما ذكرنا وردت في الحروف المقطعة الراء مكان الميم الواردة في لقمان وجاء كل على ما يجب ويناسب والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
كلمة سماعها شفاء كل عابد، وضياء كل قاصد، وعزاء كل فاقد، وبلاء كل واجد، وهدو كل خائف، وسلو كل عارف، وأمان كل تائب، وبيان كل طالب.
قلوب العارفين لا تفرح إلا بسماع بسم الله، وكروب الخائفين لا تبرح إلا عند سماع بسم الله.
قوله جل ذكره: {الر تِلْكَ ءَايَتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ}.
الألف مفتاح اسم «الله»، واللام مفتاح اسم «اللطيف» والراء مفتاح اسم «الرحيم»، أقسم بهذه الأسماء إن هذا الكتابَ هو الموعودُ لكم يوم الميثاق، والإشارة فيه أنا حققْنَا لكم الميعاد، وأَطْلنا لكم عِنان الوداد وانقضى زمانُ الميعاد، فالعَصَاةُ مُلقَاة، والأيامُ بالسرور مُتَلْقَاة، فبادِروا إلى شُرْبِ كاساتِ المحابِّ، واستقيموا على نَهْجِ الأحباب. اهـ.

.تفسير الآية رقم (2):

قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان كونه من عند الله مع كونه حكيمًا- موجبًا لقبوله بادئ بدء والسرور به لما تقرر في العقول وجبلت عليه الفطر من أنه تعالى الخالق الرازق كاشف الضر ومدبر الأمر، كان ذلك موضع أن يقال: ما كان حال من تلي عليهم؟ فقيل: لم يؤمنوا، فقيل: ماشبهتهم؟ هل قدروا على معارضته والطعن في حكمته؟ فقيل: لا! بل تعجبوا من إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم وليس بأكثرهم مالًا ولا بأقدمهم سنًا، فرجع حاصل تعجبهم إلى ما قاله تعالى إنكارًا عليهم.
فإنه لو أرسل ذا سن قالوا مثل ذلك، وهل مثل ذلك محل العجب! {أكان} أي بوجه من الوجوه {للناس عجبًا} أي الذين فيهم أهلية التحرك إلى المعالي، والعجب: تغير النفس بما لا يعرف سببه مما خرج عن العادة؛ ثم ذكر الحامل على العجب وهو اسم كان فقال بعد ما حصل لهم شوق إليه: {أن أوحينا} أي ألقينا أوامرنا بما لنا من العظمة بواسطة رسلنا في خفاء منهين {إلى رجل} أي هو في غاية الرجولية، وهو مع ذلك {منهم} بحيث إنهم يعرفون جميع أمره كما فعلنا بمن قبلهم والملك العظيم المُلك المالك التام الملك لا اعتراض عليه فيما به تظهر خصوصيته من إعلاء من شاء.
ولما كان في الإيحاء معنى القول، فسره بقوله: {أن أنذر الناس} أي عامة، وهم الذين تقدم نداءهم أول البقرة، ما أمامهم من البعث وغيره إن لم يؤمنوا أصلًا أو إيمانًا خالصًا ينفي كل معصية صغيرة أو كبيرة وكل هفوة جليلة أو حقيرة على اختلاف الرتب وتباين المقامات {وبشر} أي خص {الذين آمنوا} أي أوجدوا هذا الوصف وعملوا تصديقًا لدعواهم له الصالحات، أي من الأعمال اللسانية وغيرها، بالبشارة بقبول حسناتهم وتكفير سيئاتهم والتجاوز عن هفواتهم وترفع درجاتهم كما كان إرسال الرسل قبله وكما هو مقتضى العدل في إثابة الطائع الطائع وعتاب العاصي، والإنذار: الإعلام بما ينبغي أن يحذر منه، والتبشير: التعريف بما فيه السرور، واضاف القدم- الذي هو السابقة بالطاعة- إلى الصدق في قوله تعالى موصلًا لفعل البشارة إلى المبشر به دون حرف جر: {أن لهم} أي خاصة {قدم صدق} أي أعمالًا حقة ثابته قدموها لأنفسهم صدقوا فيها وأخلصوا فيما يسّروا له لأنهم خلقوا له وكان مما يسعى إليه بالأقدام، وزاد في البشارة بقوله: {عند ربهم} ففي إضافة القدم تنبيه على أنه يجب أن يخلص له الطاعة كإخلاص الصدق من شوائب الكذب، وفي التعبير بصفة الإحسان إشارة إلى المضاعفة.
ولما ثبت أن الرسول وما أرسل به على وفق العادة، انتفى أن يكون عجبًا من هذه الجهة، فصار المحل قابلًا لأن يتعجب منهم فيقال: ما قالوا حين أظهروا العجب؟ ومن أيّ وجه رأوه عجبًا؟ فقيل: {قال الكافرون} أي الراسخون في هذا الوصف منهم وتبعهم غيرهم مؤكدين ما يحق لقولهم من الإنكار {إن هذا} أي القول وما تضمنه من الإخبار بما لا يعرف من البعث وغيره {لسحر} أي محمد لساحر- كما في قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي {مبين} أي ظاهر في نفسه، وهو من شدة ظهوره مظهر لكل شيء أنه كذلك، فجاؤوا بما هو في غاية البعد عن وصفه، فإن السحر قد تقرر لكل ذي لب أنه- مع كونه تمويهًا لا حقيقة له- شر محض ليس فيه شيء من الحكمة فضلاَ عن أن يمتطي الذروة منه مع أن في ذلك ادعاءهم أمرًا متناقضًا، وهو أنه من قول البشر كما هي العادة في السحر، وأنهم عاجزون عنه، لأن السحر فعل تخفى الحيلة فيه حتى يتوهم الإعجاز به، فقد اعترفوا بالعجز عنه وكذبوا في ادعاء أنه لسحر لأن الآتي به منهم لم يفارقهم قط وما خالط عالمًا لا بسحر ولا غيره حتى يخالطهم فيه شبهة، فهم يعلمون أن قولهم في غاية الفساد. اهـ.